بتاريخ ٦ نوفمبر ٢٠٢٥ كشف الديوان ستار مسرحه للأمسية الأدبية الثانية، بعد طول انتظارٍ وشوق. حضر جمعٌ غفير من المستمعات والمستمعين – كان كثيرٌ منهم يزور الديوان للمرة الأولى – للإصغاء إلى حكايات مشوّقة، شاعرية، وغالبًا شديدة الخصوصية، بالألمانية والعربية، فلامست القلوب وأسرَت الأذهان.
بعد أن حملت الأمسية الأولى في يونيو الفائت عنوان “العالم قرية (تسيهلنـ)ـدوف”، بإسهاماتها الأدبية المحفّزة على التأملات كونية الطابع، أتى موضوع الأمسية الثانية أكثر قربًا، جغرافيًا واجتماعيًا – إذ كان يدور حرفياً “حول الزاوية“، بكل ما تحمله من معانٍ ملموسة ومحسوسة. حتى الديوان نفسه يقع على زاوية شارعي شوتسآليه وريمايسترشتراسه. وبما أن أجمل القصص كثيرًا ما تحدث “حول الزاوية”، أو على ناصية الشارع، دُعي الكتّاب والكاتبات من داخل حي تسيهلندورف وخارجها إلى الكتابة في هذا الفضاء القريب والحميم.
تدفقت المشاركات حتى اضطررنا لاختيار مجموعةٍ من النصوص لتقديمها على المسرح في تلك الليلة. ويسرّنا أن جميع المشاركين وافقوا على نشر أعمالهم هنا لتكون متاحة للقراءة. ومن بين هذه النصوص: “في الأسواق” لبتينا شنايدر،و”صديقتي” لكريستين غوديري، و”قهوة ياسمين لكلود دَبَش، و”من السلام الداخلي في دوسلدورف” لسوسن الشريف.
استُهلّت الأمسية بقصّة يوتا فولف التي أخذتنا في رحلةٍ جبلية مفعمة بالمغامرة قامت بها في المغرب – رحلة لم تكن “حول الزاوية” بالمعنى الحرفي، لكنها كانت كذلك بالمعنى الروحي. فقد روت لنا عن”سعادة المرور بالزاوية الخطأ”، إذ قادها هذا الالتفاف غير المقصود إلى لقاءٍ دافئ مع أحد السكان المحليين.
تلتها الكاتبة الشابة فيرا ياكيرسون قراءة في مقطع من روايتها الأولى “بلاد العبور“ بعنوان “أوكسانا“، وقد وصفت فيه بلغةٍ شبابية صادقة لقاء طالبتين – روسية وأوكرانية – في برلين، وما دار بينهما من تشابكاتٍ إنسانية دقيقة.
وفي قصتها من سيرتها الذاتية “أنا، هو وهي” قدّمت كارولا هوكه تأملات في لقاء شخصين من ثقافتين مختلفتين في عام سقوط جدار برلين. في “ألمانيا الجديدة” المليئة بالغرابة والتناقضات، تغلّبا على الأحكام المسبقة والحدود الثقافية من خلال الرقص، وابتكرا لغتهما الخاصة، حتى تولّدت من “هو” و”هي” “ابنتهما” – ثمرة حبهما واختلافهما.
ثم جاء نص برنارد ك. أورباخ “أربع صديقات“، الذي رسم فيه مشهدًا دقيقًا تفصيلياً للقاء نساءٍ من عوالم متباينة، على خلفية عاصفة قرنٍ تلوح في الأفق. وهو جزء من عملٍ روائي أكبر.
بعده، قرأت إلينا إيلينغ نصّها التأملي “بريكة ماء في المقهى عند الزاوية“، الذي يبدأ بقدوم عاصفةٍ أخرى. في تأملٍ شاعري رقيق، تذكّرنا بأن الحياة الأولى على الأرض يمكن أن تكون قد انبثقت من بريكة نقطة ماءٍ صغيرة.
ثم جاء النص العربي “عند الزاوية… حيث ينكسر الزمن” للكاتبة أسماء محمد، نصٌّ ينكسر فيه الزمن وتتلاشى الحدود بين المكان والخيال. وقدّمت ليندا حدّاد للجمهور الألماني ملخّصًا لهذا العمل الثريّ، كما لخّصت نصَّ “قهوة ياسمين” لكلود دَبَش، الذي يرسم حوارًا بين امرأتين تتأملان ثقافة اللجوء والضيافة في ألمانيا من منظورين مختلفين.
وتلاهما نص “من السلام الداخلي في دوسلدورف” لسوسن الشريف، الذي يمنح نظرةً عميقة إلى عالم امرأةٍ شابة اختارت أن تتبع حلمها الأكاديمي بدلًا من نداء أمومتها، فاعتبرها المجتمع وكأنها تركت سعادتها “حول الزاوية”.
أما أندرياس لوكاس فقد استلهم قصيدته البوليسية “الزاوية الشمالية” من أستاذه السابق في اللغة الألمانية، الكاتب المعروف فولفغانغ إِكِه. وقدّم للجمهور إضافةً طريفة بعنوان “العربية للمتأخرين“، استخدم فيها أسلوب “التفكير حول الزاوية” ليكشف عن الحيل الذهنية التي تساعده على حفظ المفردات العربية. وقد جرّب الحضور هذه الطريقة بأنفسهم في تجربةٍ تفاعلية ممتعة أثبتت نجاحها.
كلماتٌ ولاعبو كلمات، تأملٌ ومرح، جدٌّ وعذوبة، بساطةٌ ودهشة – اجتمعت كل هذه العناصر في تلك الأعمال ذات الزوايا الحادّة لتنسج لوحةً من انسجامٍ فريد. القراءات المباشرة، والحوارات التي تلتها مع الكتّاب والكاتبات، جعلت من تلك الليلة حدثًا مميزًا يستحق أن يُتبع بأمسيةٍ أخرى.
وإذا كنت تكتب أو ترغب في اقتراح عنوان جديد للأمسية الأدبية القادمة، فيسعدنا أن نتلقى أفكارك واقتراحاتك عبر البريد الإلكتروني .theater@derdivan.org










































